مقالات

الأرمن... طائر الفينيق الذي نهض من رماده91 عاماً على جرائم الابادة الأرمنية

جريدة البلد – لبنان
22 نيسان 2006
كتب فيديل سبيتي

قد يكون ارمن لبنان الاكثر التصاقا بما تصفه اسطورة طائر الفينيق الذي ينبعث من الرماد بعد موته. فهؤلاء قاموا من المجازر المروعة التي ارتكبت بحقهم ليصبحوا جماعة لبنانية ميسورة وثرية وصاحبة خبرات. ورغم ان الارمن اقاموا في

مخيمات افردتها لهم سلطات الانتداب الفرنسي في اثناء الحرب الاولى، الا انهم بدأوا مباشرة ومنذ وصولهم ببناء منازلهم الصغيرة ومدارسهم وكنائسهم من الحجر والاسمنت. هذا رغم اعتقادهم في البدء ان عودتهم الى ارضهم التي اقتلعوا منها

في كيليكيا، ستكون قريبة ما ان تنتهي الحرب العالمية الاولى .

ومنح الارمن الجنسية اللبنانية اعطاهم الحق بالترشح والاقتراع في الانتخابات المحلية والبلدية والنيابية ، واعطاهم سائر حقوق وواجبات المواطنين اللبنانيين الآخرين . ومنذ العام 1934 ينتخب من الارمن نواب ويعين منهم وزراء
.
اليوم تكون قد مرت 91 سنة على المجازر او حملة التطهير العرقي التي ارتكبتها السلطات التركية (العثمانية) في حق الارمن في ديارهم ابتداء من 24 نيسان 1915. في هذه المناسبة تشارك "صدى البلد" الارمن في استذكار محطات من

تاريخهم ، وتنشر شهادات لناجين من الابادة وقراءات قدمها عدد من المؤرخين عن اسباب عدم اعتراف السلطات التركية بتلك الابادات، انتهاء بالضغوطات التي تمارسها السلطات التركية على حكومات الدول التي حاولت الاعتراف بوقوع تلك

الابادة.

يؤلف الارمن واحدا من اقدم شعوب منطقة الشرق الاوسط وتقع بلاد الارمن الى الشمال من منابع نهر الفرات عند بحيرة وان، وكان للشعب الارمني منذ الازمنة القديمة دولتهم المستقلة وحضارتهم وتاريخهم الخاص بهم.

قطن الارمن في ست ولايات في منطقة الاناضول وهي : تبليس ، وان ، ارضروم ، دياربكر ، خاربوت وسيواس.
وقعت المذبحة الاولى بحق الارمن في آب وايلول من سنة 1894 في منطقة ساسون عندما شعر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1876ــ 1909) بالخوف من نهوض الشعور القومي والوطني للقوميات في الامبراطورية العثمانية.

ولكن تصرف السلطان عبد الحميد فسح المجال اكثر امام الدول الاوربية وروسيا لاتخاذ مسألة المذابح وسيلة للضغط على الدولة العثمانية لتحقيق مآربها السياسية فيها.

في ايلول 1795 بدا رجال السلطان في اسطنبول يفتكون بالارمن فقتلوا منهم الآلاف، ثم انتقلت المذبحة الى مدن ارمينيا الغربية والمدن الاخرى التي كان يسكنها الارمن مثل مرعش وديار بكر وسيواس وغيرها من مدن تركيا. وهنا بعض

الارقام والاحصاءات حول خسائر الارمن البشرية والمادية: في اسطنبول ابيد خلال يومين فقط ، نحو 5500 ارمني كما استمرت مذابح الارمن في دياربكر ثلاث ايام و قتل خلالها ثلاثة آلاف شخص ارمني كما دمرت نحو 120 قرية. كما فقد

الارمن في المذبحة التي جرت في سيواس في 12 تشرين الثاني من العام نفسه، نحو الف شخص و القوا بجثثهم في الخانات وعلى حد قول احد الشهود العيان فان معظم الضحايا في سيواس كانوا قد قتلوا بالساطور والقضبان الحديد والعصي

الغليظة والخناجر.

في اواخر سنة 1904، ارسلت السلطات العثمانية كتائب من وحدات الجندرمة الى المناطق الارمنية وقصفوا المدن الارمنية وبلغ عدد الضحايا اكثر من 8 آلاف شخص .الاتحاد والترقي؟

ظهرت بارقة امل جديدة للشعوب والقوميات المضطهدة في ارجاء السلطنة العثمانية، بعد وصول جمعية الاتحاد والترقي الى سدة الحكم في سنة 1908 فقد وعدت السلطات الجديدة بتحقيق المساواة بين جميع المواطنين امام القانون، ولكن

الاتحاديين سرعان ما نادوا بسيادة العنصر التركي على جميع الشعوب والقوميات داخل الامبراطورية العثمانية وكانت الكارثة الجديدة التي تطال القومية الارمنية.

بعد اتخاذ القرار النهائي في جلسة سرية من قبل اعضاء قيادة الاتحاد والترقي ومجلسه الاعلى بابادة الارمن عن بكرة ابيهم اصدرت في سنة 1915 قانون التهجير الارمني.

في ربيع السنة المذكورة قبضت الحكومة العثمانية على الرجال الارمن في انقرة بين سن 15 ــ70 و ربطوا كل اربعة منهم ببعضهم وارسلوا باتجاه مدينة قيصرية وبعد مسيرة خمس او ست ساعات وصلوا الى وادي منعزل هاجمهم فيها

غوغاء من الفلاحين الاتراك بالهراوات والمطارق والفؤوس والمناجل والمجاريف والمناشير، وكان الاتراك يقولون ان تلك الطريقة اكثر اقتصادية لانهم لم يضيعوا سدى البارود والاغلفة النحاسية. ومن الجدير بالذكر ان تلك المجازر رافقتها

عمليات الترحيل و تهجير الارمن ايضا الى الصحراء السورية وحلب واورفة وسري كاني ودير زور وغيرها حيث جرت عمليات الترحيل تلك في احلك الظروف ما ادى الى موت القسم الاعظم من المرحلين عطشا وجوعا من شدة الارهاق.

وخسر الارمن في هذه الفاجعة وحدها مليون نسمة، وذبح نحو 100 الف شخص فقط في صحارى دير زور.

الكماشة الروسية التركية
وضع اندلاع الحرب العالمية الاولى الارمن بين الكماشة الروسية التركية، خصوصا بعد اعلان تركيا الحرب على روسيا. ثم جند الاتراك في صفوفهم 250 الف ارمني تركي ليشاركوا في الحرب ضد روسيا
.
وبعد خسارة تركيا المعركة مع روسيا امر طلعت باشا، وكان وزير الداخلية حينها ، بنقل الارمن من مناطق الحرب الى انحاء اخرى من الامبراطورية تخوفا من تعاونهم مع الجيش الروسي . فتم ترحيل الارمن الى صحارى سورية.

في 24 نيسان 1915 القى الاتراك القبض على 254 من رجال الفكر الارمن في اسطنبول بحجة نفيهم، ولكنهم قتلوا جميعا . وبعدها بأيام عدة انقضت السلطات التركية على القرى الارمنية في كيليكيا واعملت فيها تخريبا وتقتيلا وطردا. كان

الذكور والمراهقون يساقون في خراج قراهم ويصرعون بالرصاص توا . اما النساء والاطفال فقد ارغموا على السير في قوافل في اتجاه الجنوب نحو الصحراء السورية .

في رحلات المسير المضنية تلك في الصحراء المحرقة ، كانت القوافل تتعرض للسطو من عصابات كردية قامت بسرقة الطعام والاموال القليلة التي كانت تحملها النسوة الارمنيات . وكثيرون ممن شاركوا في مسيرات الاقتلاع والهجرة تلك

القوا بأنفسهم في الوديان والانهار خلاصا من العذاب والمذلة اللذين حفتا برحلتهم .في الطرد والإبادة
إن الطرد والإبادة المنظمة اللذين طالا على أقل تقدير مليون إنسان، تحت ظلال الحرب العالمية الأولى كانت البداية الدولتية لتشريد وقتل الشعوب وتنظيف الدولة من الاتنيات والأقليات في القرن العشرين.

يصف الأرمن ما جرى بكلمة أرمنية: "اغهيت" وتعني الجريمة التي يرتكبها الغرباء، والتي تحطم الذات وتعدمه. الأجانب الذين تطرقوا إلى المذبحة الأرمنية في نهايات القرن " 19 " استخدموا للمرة الأولى في وصف الجريمة كلمة

الهولوكوست. هكذا كتبت عضوة البعثة الأميركية كورينا شاتوك، والتي عاشت العام 1895 في مدينة أورفا عندما وصفت كيف تم حرق الأرمن الملاحقين في إحدى الكنائس، في رسالة لأختها. أما تركيا وعبر كل حلقات سلطاتها الحاكمة حتى

اليوم، فقد أنكرت بشكل قاطع، بأن ما وقع هو قتل جماعي أو إبادة للجنس البشرى. لماذا ؟ لأن الإبادة والقتل، مسائل متداخلة بشكل وثيق مع تحديث وتطوير الدولة التركية، كما تقول ميهران دباغ مديرة معهد بحوث التهجير وإبادة الجنس في

جامعة بوخوم في المانيا (ميهران دباغ مديرة المعهد، وأحد أطفال الناجين من المذبحة، قامت بتوثيق مقابلات مع آخر الشهود الذين عايشوا المذبحة. وذلك في ما بين الأعوام 1988 ـ 1996). وتعتبر ان ذلك حدث مباشرة على مشارف

التاريخ الحديث، عند تحول السلطنة العثمانية المتعددة الأتنيات، إلى دولة قومية بأيديولوجية تركية.

انكار المجزرة
المؤرخ التركي تانر أكشام، من معهد الأبحاث الاجتماعية في هامبورغ سابقا، والعامل حاليا في جامعة مينوسيتا يعتبر ان وصــم مؤسسي الدولة التركية الحديثة، والذين يقدرون كأبطال اليوم، كمجموعة من الأشرار، يمكن أن يضع شرعية

الدولة التركية باكملها موضع التساؤل. لذلك تدعي هذه الدولة منذ عشرات السنين بأن الهجرة، كانت ضرورة عسكرية مشروعة في الحرب ضد روسيا والقوى العظمى إنكلترا وفرنسا. وأن الأرمن في تلك الظروف كانوا أقلية من الانفصاليين

يسعون لوضع أنفسهم وقواهم في خدمة روسيا.

عندما تصف دولة ما، أو هيئة المذبحة على انها إبادة جماعية، ترد عضوة حلف الناتو، تركيا، حتى اليوم بنفس الطريقة: "إن ملابسات الحرب قد تم إيضاحها". هكذا يقول المؤرخ فولفغانغ بنتس
.
أربعة وعشرون دولة منها فرنسا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا, اعتبرت المذبحة، جينوسيدـ جريمة ضد الانسانيةـ وأدانتها، وتلقت على أثر ذلك ردود فعل سريعة من تركيا. ألمانيا لم تقم بذلك. مع أميركا وإسرائيل، تكون ألمانيا الاتحادية تعتبر

رسميا،ً انه لم يكن هناك مذبحة. الاحزاب الالمانية تتنافس على أصوات المواطنين الأتراك، الذين يشكلون جزءا تقليدياً من القاعدة الانتخابية.
كان مستهجنا بالنسبة للسفارة التركية، أن تذكر ولاية براندنبورغ في مناهج التاريخ الألماني، في معرض شرح النتائج المأسوية للحرب: الطرد ـ القتل الجماعي. و"على سبيل المثال، الإبادة الجماعية للشعب الأرمني في آسيا الصغرى". هذه

الجملة التي اعتبرت بمثابة ضربة حقيقية للدولة التركية، ما استدعى تدخل الدبلوماسية التركية في الموضوع، على الأقل بالنسبة لتدريس التاريخ، حيث وجه وزير التربية التركي، كل مدراء المدارس بتاريخ 14 نيسان 2003 إن يلزموا

طلابهم، بإنكار وقوع المذابح الأرمنية.

البرلمان الفرنسي اعترف في سنة 2001 بالمجازر الأرمنية، بشكل رسمي، ما اثار ردود فعل تركية حادة، حيث تم سحب السفير التركي بشكل موقت، وتمت الدعوة إلى مقاطعة البضائع الفرنسية، وتم سحب تعهدات من الشركات الفرنسية بمئات

الملايين من الدولارات. حتى ان سائقي التاكسي في تركيا ما عادوا يقبلون بنقل السياح الفرنسيين، كذلك بالنسبة لشركات النقل الجوي وخدماتها.
إسرائيل أيضاً تلقت ضغوطاً تركية، عندما أرادت إدراج المذابح في الكتب المدرسية، لكن الحكومة سحبت المشروع. في العيد الوطني لإسرائيل عام 2003، دعي أحد رجال الدين الأرمن لحضور الاحتفال في القدس. اعترضت أنقرة مرة

أخرى فما كان من الحكومة الإسرائيلية الا أن ألغت من برنامج الاحتفال الأسطر التي تقول بأن أجداد الراهب هم من الناجين من المجازر
.
المصادر:
مقالة الكاتب كريستيان شميت ـ هوياجريدة دي تسايت الألمانية ترجمة الكاتب الكردي احمد علي.
مقالة يعنوان
- موقف الكورد الايزيديون من المذابح الارمنية 1894 ــ 1918
قادر سليم شمو

جديد

تحميل الكتاب - تحميل الخرائط
أحدث المواضيع
بــيـــان عموم الأرمن في الذكرى المئوية للإبادة الجماعية الأرمنية
إصدارات - كتب

ذاكرة أرمنية – صور من مخيم لاجئي حلب 1922-1936


نحو قرار عادل ومنصف حول نزاع كاراباخ الجبلية

النشرة