ليفون الذي مشى ألف كلم بحثا عن ذاكرته |
جريدة البلد – لبنان حمل ليفون ذاكرته على كتفيه ومشى. حمل أجداده وأجدادهم على كتفيه وقرر أن يحفر عميقا في الذاكرة الأرمنية عله يصل إلى ما يشفي غليله الوطني (والوطني هنا غير الوطني هناك). قرر أن يمشي إلى أرمينيا القديمة التي تسيطر عليها تركيا منذ أكثر من 65 عاما. حمله الرقم القياسي في سباق الـ 10 آلاف متر ركضا، منذ نحو 30 عاما، ليس الإنجاز الوحيد في حياة هذا الشاب الأرمني الخمسيني، فهو فاز ببطولة لبنان في الركض في العام 1974، ولم تثنه السنوات الثلاثون التي اكتسبها آنذاك، عن القيام بإنجاز آخر أكثر أهمية. يحكي ليفون أنه قطع 10 كيلومترات يوميا. كان يبدأ المشي عند الخامسة صباحا، يتوقف عند الحادية عشرة ظهرا للراحة، قبل أن يتابع مشيه عند الثالثة، حين تخفف الشمس أثقالها قليلا. سلك طريق بعلبك- رياق- طرطوس- بانياس-اللاذقية وصولا إلى الحدود التركية حيث عبر بجواز سفر لبناني وبتأشيرة دخول تركية. وفي 22 أيلول كان ليفون في بيروت حيث عاد والتقى بآلاف قرروا زيارة عنجر لإحياء ذكرى تأسيسها. كان ليفون يحمل في جعبته أكثر من 300 صورة عن تلك المدن التي زارها. حملها لينقل التاريخ، الذي يدرسه الطلاب الأرمن، من الكتب والكلمات، الى الصور الحقيقية: "ليعرف الأطفال أن تاريخهم حقيقي وأن هناك شيئا تركه أجدادهم قبل أن يقتلوا ويهربوا". يعرف أن أجداده عاشوا هناك، لذلك يريد أن يعود ليشتمّ رائحتهم. لكنه يعرف أن أبناءه وأحفاده قد لا يذكرون أرمينيا القديمة لأن جدهم، أي هو، سيكون مولودا في لبنان ومدفونا فيه. يروي أن الأرمن الذين بقوا في جبل موسى لا يتحدثون الأرمنية، بخلاف الذين هاجروا إلى عنجر. لا يحتفظون من تراثهم إلا بأسمائهم الأرمنية، علّها تحل محل الوطن واللغة الضائعين. ليفون يدور في هذه الأيام بين قبرص وكندا وسورية ولبنان و"غوركراباخ" المسلوخة عن أرمينيا المستقلة، ليقول من خلال معارض للصور، أن أرمينيا ما زالت موجودة وأنها يجب ان تحيا في قلوبهم وفي الصور التي لن يتوقف عن جمعها. سيسافر بالسيارة المرة الآتية وليس مشيا. أوفى النذر الذي قطعه على نفسه بالذهاب إلى أرمينيا مشيا. لكنه سيمشي إلى دير الزور في سورية هذا العام "احياء لذكرى من توفوا على الطريق قبل وصولهم إلى دير الزور". ليفون يملك اليوم متجرا لتصليح دواليب السيارات على المدخل الرئيسي لعنجر. ليفون قصة أرمنية تتنقل على قدمين قويتين، لكن لا يبدو أن لها شاطئا تستطيع ان تحطّ فيه، سوى الذكريات المشتركة. ليفون يشبه ارمينيا، المتناثرة ناجين ومهاجرين في الشرق والغرب، يشبه القصة التي يحاول تجميعها. يشبهها كثيرا. |