الابادة الارمنية

في 24 نيسان 1915، بوشر بتنفيذ المجازر التي اعد لها اعدادا دقيقا ومفصلا ، بوشر بتنفيذ الابادة الجماعية المدبرة، التي وصفت فيما بعد ب" الابادة النموذجية". في ذلك اليوم ، تم في اسطنبول اعتقال مئتين واربعة وخمسين رجلا من رجال الفكر الارمني، بهدف ترحيلهم واعدامهم. وهكذا فقد الشعب الارمني نخبة مفكريه ومني بخسارة قادته. ثم ما لبثت نقمة السلطات العسكرية التركية ان انصبت على السكان العزل. ونتيجة ذلك بدأ العمل بترحيلهم من مدن وقرى ارمينيا الغربية وآسيا الصغرى . فاقتيد البالغون والمراهقون الى حيث لقوا مصرعهم. اما النساء والاطفال والشيوخ فقد ارغموا على الانتظام في قوافل طويلة والرحيل باتجاه الصحارى. وطوال اشهر، ظلت طرق الاناضول ودروبها مفروشة بالجثث والهياكل العظمية ، ولم ينج من مسيرة الموت ومارافقها من بؤس وحرمان، سوى قلة قليلة.

واكدت وحشية معاملة الارمن لدى ترحيلهم، والغرض الحقيقي منه، ما صرح به الموظفون العثمانيين انذاك ، ثم التعلميات السرية التي اصدرها طلعت باشا وزير الداخلية العثمانية تنفيذا لمرسوم ترحيلهم المشار اليه، والتي عثر على بعض منها بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى، ومنها تعليماته المؤرخة يوم 9 ايلول 1915 لوالي حلب المتضمنة : ان الحكومة العثمانية قررت الغاء حق الارمن في الحياة، وفي العمل، والقضاء عليهم بتهجيرهم دون مراعاة اي اعتبار. ثم تعليماته المؤرخة يوم 15 ايلول 1915 الى والي حلب ايضا، المتضمنة تأكيد تعليماته السابقة، وان على موظفي الحكومة تنفيذها دون شفقة حتى بالنساء والاطفال، والا تعرضوا للعزل.

لقد بلغ التباهي بطلعت باشا الى التصريح بأن " ما انجزه هو، في غضون ثلاثة اشهر من تصفية المسألة الارمنية، فاق بكثير ما عمل من اجله عبد الحميد طوال ثلاثين سنة". فمن اصل 2,100,000 ارمني كانوا يعيشون في السلطنة العثمانية ، شمل مخططه الافنائي مايزيد على 1,800,000 نسمة. وبلغ من قضى منهم قتلا حوالي 1,300,000 . وقد تمكن مئات الالوف من الارمن ان يجدوا ملاذا لهم في ماوراء القوقاز، او ان تكتب لهم الحياة في سوريا ولبنان والعراق . الا ان حصيلة الابادة العنصرية لايمكن حصرها في حجم الخسائر البشرية وحسب . ذلك ان ارمينيا الغربية ، وهي تشكل بلا ريب الجزء الاكبر من ارمينيا التاريخية، قد افرغت من سكانها الاصليين، وتعرضت للنهب والدمار.

ان هذا المخطط الجهنمي الذي هدف الى افناء الامة الارمنية بشكل كامل لايعود تاريخه الى بداية الحرب العالمية الاولى، بل وضعت تفاصيله الدقيقة لجنة عليا مؤلفة من قادة حزب الاتحاد والترقي. ونذكر هنا ما جاء على لسان مصطفى كمال اتاتورك في كانون الثاني 1919 من اعترافات امام المحكمة العسكرية باسطنبول، حيث يقول: " ان مواطنينا( الاتراك) ارتكبوا جرائم فظيعة، ولجأوا الى شتى انواع الاستبداد، ونظموا عملية الترحيل والابادة، واحرقوا بعد صب البترول اطفالا رضعا، واغتصبوا نساء وصبايا على مرأى من والديهن المقيدة ارجلهم ومعاصمهم، وانتزعوا بالقوة الفتيات من ابائهن وامهاتهن، كما استولوا على اموال ثابتة ومنقولة، وابعدوا الى بلاد مابين النهرين اناسا بائسين، امعنوا في تنغيص عيشهم عبر دروب المنفى مستخدمين اساليب وحشية .. انهم زجوا الارمن في ظروف لاتطاق، لم يعرف مثلها شعب آخر على امتداد تاريخه".

لقد قامت سياسة الحكام الجدد للدولة العثمانية على عدم الثقة بكل الشعوب غير التركية التي تقطن هذه الدولة، وذلك لتعصبهم لتركيتهم والنظرية الطورانية،وسياسة التتريك.وحصر حكم الدولة في الاتراك وحدهم.والذي كان من اهم مظاهره قرار مؤتمر حزبهم، وهو حزب الاتحاد والترقي المنعقد في سالونيك عام 1910، القاضي بحظر الاحزاب السياسية غير التركية، والذي كان مقصودا به في المقام الاول العرب والارمن. كما ان هذا المؤتمر اتخذ قرارا سريا بوجوب ابادة الارمن في الدولة العثمانية ، وكان هذا القرار هو اول خطوة في الطريق الى المذابح الارمنية الكبرى.

لقد سعى الاتراك، رغم كل الشهادات التاريخية التي توافرت ورغم المذكرات والتقارير والوثائق التي وضعها سفراء الدول الغربية لدى السلطنة العثمانية آنذاك، الى انكار الحقيقة التاريخية للابادة، والى تغيير جوهر التاريخ، ومحاولة اسقاط الحجج والبراهين .

ان ابادة الشعب الارمني لاتزال تنتظر معاقبة مقترفيها. بقاء المجرم التركي دون عقاب يلغم مفهوم العدالة الدولية ، ويعتبر اهانة لكل انسان متحضر على وجه الارض .

جديد

تحميل الكتاب - تحميل الخرائط
أحدث المواضيع
بــيـــان عموم الأرمن في الذكرى المئوية للإبادة الجماعية الأرمنية
إصدارات - كتب

ذاكرة أرمنية – صور من مخيم لاجئي حلب 1922-1936


نحو قرار عادل ومنصف حول نزاع كاراباخ الجبلية

النشرة